شقيقة الشهيد رضا الغسرة
في ذكرى ١٠ مارس: رضا الغسرة يحكي لأهله “زفرات” أحداث سجن جو
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: شقيقة الشهيد رضا الغسرة
يوم الثلاثاء، العاشر من مارس ٢٠١٥م، جاء اتصال من سجن جو أثارَ استغرابي. فأخواي الإثنان كان اتصالهم يكون اليوم السابق، فموعد الاتصال هو الاثنين من كلّ أسبوع. كانت هناك أخبار متقطّعة ومتضاربة تصلنا بشأن وقوع احتجاجاتٍ في سجن جو، ردّاً على إهانة امرأةٍ أثناء زيارة لأحد أقاربها.
أجبتُ على الهاتف. كان رضا على الطرف الآخر. بادرتُ بسؤاله: “اتصالك مو (ليس) اليوم”!؟
أجابني: “كسرنا قفلَ الهاتف.. نريد أن نُخبر الأهالي بما يحدث هنا”.
صوته كان مضطرباً. قال إن عنبر ٣ تم اقتحامه مع قبل السجناء من صغار السن، وبدأ التمرد بعدها “الشباب في العنابر الأخرى، حيث اعتلوا الأسطح، وبدأوا يقاومون بما يستطيعون عبر رمي قناني المياه وبعض الأغراض، وقال رضا بأنه كان يعلم بأن القوات كانت تنتظر “نفاذ ما عندهم (السجناء)، وسيبدؤون بعدها بالهجوم عليهم.
أضاف رضا: “اسمعي صوتَ الطائرات.. صوتَ الهجوم بالمسيلات والشوزن”، ودعا “أهالي المعتقلين” للتحرُّك، وقال “أخبروهم بأن أولادهم يتعرضون لانتهاكات كبيرة، نحن نسمع صراخ المعتقلين (..) البحر محاصَر كما خارج أسوار السجن، وهذا ينبيء بانتهاكٍ كبير للسجناء”، كما قال الشهيد في اتصاله، وحثّ الجميع على الزّحف إلى سجو جو، مؤكدا لشقيقته وجودَ “أخبار عن إصابات بليغة”.
توقّفت الزيارات والاتصالات في سجن جو، حاولنا كما حاول الأهالي الإطمئنان على أبنائهم عبر الإتصال أو الذهاب إلى سجن جو، لكن لم يكن هناك أيّ أخبار تطمئننا، أو تجاوب من إدارة السجن، فيما عدا اتصالات متباعدة من أخي رضا.
في اتصالاته، كان رضا يسأل عن الجميع، ويحاول إخبارنا بما يستطيع عمّا يحدث في السجن. وقد حاولنا من خلاله الإطمئنان على باقي أخوتي، صادق وحسن، حيث يوجد صادق في عنبر ٤، وحسن في عنبر ٣ (المخصّص للصغار)، وهي من أكثر العنابر التي تعرّضت للانتهاكات. إلا أن رضا لم يستطع أن يصل لأي أخبار عنهم بسبب عزلهم عن باقي العنابر.
في أثناء فترة منع الزيارات؛ كانت هناك محكمة لما يُسمى بتنظيم (واحد وستين)، وتضم ٦١ شاباً من شباب بلدة بني جمرة، وقد أخبرنا رضا من خلال الإتصال بأنه سيذهب للمحكمة حتى يستطيع رؤية المعتقلين، ويستطلع فيما إذا كان إخوانه الإثنان من بين المُحالين إلى المحكمة.
حاول الأهالي الحضور للمحكمة لكي يروا أولادهم، ولو من بعيد، ويطمئنوا بأنهم مازالوا أحياء!
إحدى الأمهات أخبرتني باستغرابٍ شديد: “كلّ المعتقلين شاحِبو الوجوه، حليقو الرأس، ومنهكون، إلا رضا”.
بعد فترة، سُمِح للأهالي بزيارة أبنائهم، فبدأنا نسمع بعضَ الأخبار، حيث تعرَّض صادق لإصابةٍ برصاص الشوزن في الظهر، وتعرّض حسن لأبشع صنوف التعذيب بسبب صغر سنه، ولكونه أخاً لرضا.
في يوم الزيارة، دخلنا في مكان الزيارة، فرأينا أخوتي الثلاثه والإبتسامه تعلو وجوههم. كنّا نريد الإطمئنان على صحتهم، ولكنهم لم يُظهروا إنكساراً أبداً.
سألتُ أصغر أخوتي، حسن، بصوتٍ منخفض لكي لا يسمع كلامي والدي ووالدتي: “حسن انت زين؟ صحتك زينه؟”.
أجابني والإبتسامه على وجهه: “أنا زين الحمدلله.. وصحتي زينه”.
أخبرته بهمسٍ بأنني أعرف ما صنعوا به، وأنّ الأخبار وصلتني حول ما جرى. فأجابني: “لكني قوي.. الحمدلله”. أخبرني بأنهم جاؤوا للسؤال عنه تحديداً، ثم أخرجوه من بين الجميع، وتعرّض لأبشع أنواع الإنتهاكات، وخاطبه أحد العساكر: “انتون أولاد الغسرة إرهابيين، ليش مسحوبة جنسيتك وانت بهالعمر الصغير، فايلكم عندنا موجود”.
تحدّث رضا عن ذهابه إلى المحكمة، ولقائه بالمعتقلين. أخبرته بما نقلته لي إحدى الأمهات، فضحك، وقال: “تدرون ليش، لأني ما خليتهم يهينوني، بدأوا بضربي على وجهي.. انظري”، وأشار لجرح طويل على حاجبه الأيسر، يتبيّن أنه جرح عميق وقد التئم بدون علاج. وأضاف رضا: “بدأوا بضربي على وجهي، لكني ثرتُ في وجوههم. لم أسمح لهم بالتمادي”.
وأضاف: “لكن إخوتي لم يسلموا. ما لم يستطيعوا فعله بي؛ فعلوه لإخوتي”.
بعد فترة طويلة، وبعد أن تمّ فتح العنابر، وتعديل وضع السجناء، رأيت رضا مهموماً في إحدى الزيارات، وهو ما لم يكن طبعه في الزيارات الفائتة. سألته بقلق الأخت: “ما بك؟”
أجاب: “سمعتُ من المعتقلين بعضَ ما حدث بعد ١٠ مارس. انتهاكات كبيرة. أنا لا أنام. لا أستطيع استيعاب ما حدث، وخاصة لبعض صغار السن”.