هل سيستمر آل سعود في ثورتهم المضادة ضد ثورات المنطقة
خلال الأربعين سنة الماضية؛ صُنّفت السعودية باعتبارها الدولة الأولى في العالم من حيث نسبة ما تقدّمه من “هباتٍ ومنح” خارجية، وذلك من إجمالي الناتج القومي الوطني. فقد قدّمت الرياض خلال هذه العقود، وفي الفترة الممتدة من (1973-2013)؛ أكثر من283 مليار ريال سعودي، أي ما يفوق 4% من المتوسط السنوي الإجمالي للناتج القوميفي تلك الفترة، وقد استفادت من هذه المساعدات (73) دولة، منها (41) دولة في إفريقيا،و(23) دولة في آسيا، و (9) دول أخرى.
يأتي ذلك بالنظر إلى أن السعودية هي المصدِّر الأول للنفط في العالم، والدولة التي تمتلكأكبر مخزون لاحتياطي النفط في العالم، بالإضافة إلى كونها عضوا في مجموعة الـ20الاقتصادية العالمية.
إن المتتبع لسياسة آل سعود الخارجية يرى بوضوح حجم المليارات التي تضخ على شكلهبات، معونات، منح، وقروض للإغاثات الإنسانية والتنمية البشرية، ولكنها – في الحقيقة -ليست سوى أموال سياسية، وبأدوات استخباراتية، وتُدار عبر سفاراتها في العالم، وهو ما كشف عنه صندوق النقد الدولي حين كشف عن أكثر من 4 مليارات قدّمها آل سعودللسيسي ثمناً للإطاحه بالرئيس المصري المعزول مرسي، مضافاً إليه دعم بمبلغ 2 ملياردولار من المشتقات البترولية والغاز، حيث وصل إجمالي الدعم إلى 16 مليار دولار.
وفي السياق ذاته قدم آل سعود، بحسب التقرير المذكور، للجيش اللبناني 4 مليارات دولار،بالإضافة إلى ما تنفقه على الأحزاب اللبنانية الحليفه لها في اللعبه السياسية في لبنان.
واردف التقرير أن آل سعود قدموا لما يسمى بـ”المركز الدولي لمواجهة الإرهاب” فيالأمم المتحدة، 2 دولار على دفعتين، كما تكفلوا بنفقات الحرب على ما يسمى “داعش”مؤخرا في اجتماع جدة.
و لا يخفى على أحد، وكما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي، بأن آل سعود كان لهم دوركبير في إسقاط حكومة رئيس الوزارء الأسبق، نوري المالكي في العراق، والذي حصلتكتلته على أكبر عدد من الأصوات، ومع ذلك حالت أموال السعودية دون توليه رئاسةالحكومة الجديدة، ناهيك عن دعمها الأحزاب المناوئة للعملية السياسية في العراق.
وتطرق التقرير إلى أن آل سعود هم منْ دعموا انقلاب اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا،وهم يدفعون إلى الآن فاتورة حلف الناتو الذي تدخّل لإسقاط حكم القذافي.
فيما قدمت السعودية هدية سخية للمغرب بعدما وقّع “الصندوق السعودي للتنمية”، فيمارس من العام الماضي في الرباط، على عدد من مشروعات التنمية في المغرب بقيمة400 مليون دولار، كجزء من المنحة الإجمالية المخصصة للمغرب من قبل مجلسالتعاون الخليجي، وستخصص “الهدية” السعودية لتنمية مجالات الزراعة والطرقوالإسكان.
ومن جانب آخر، تم تخصيص 120 مليون دولار من التعهدات السعودية لليمن، ويتبقّى منه مبلغ 100 مليون دولار، فيما وقع الصندوق السعودي للتنمية ثلاث اتفاقيات يقدمبموجبها الصندوق منحة مالية بمبلغ 114.2 مليون دولار أمريكي للإسهام في تمويلمشاريع تنموية وحيوية باليمن.
أما بالنسبة للجارة البحرين؛ فقد أهدتها السعودية مدينة طبية بقيمة مليار ريال سعودي، تتبعجامعة الخليج العربي بالبحرين.
وفي غضون ذلك، وفي الوقت الذي لا يزال الشعب التونسي يطالب بتسليم الرئيسالمخلوع زين العابدين؛ يصرّ آل سعود على احتضانه في أحد قصور عروس البحرالأحمر، “جدة”.
والسؤال المطروح هنا: لماذا ينفق آل سعود كل هذه الأموال الطائلة على الدول الأخرىوالحلفاء و الأحزاب فيها؟ برغم أن هناك أزمة مالية كبيرة وحرجه تمر بها المملكةالمترامية الأطراف.
بحسب التقرير الذي أعدته شركة الاستشارات “سي بي” ريتشارد إيليس؛ فإن هناك نحو60% من المواطنين السعوديين الذين يقارب عددهم عشرين مليونا يعيشون في شققمستأجرة.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن أزمة “الإسكان” تحتاج إلى 600 مليار ريال لكي تلبّياحتياجات كلّ الأرقام التي أعلنتها.
ويؤكد الخبراء أن مشاريع الدعم السكني التي أعلنتها وزارة الإسكان، والتي ستشمل أكثرمن 600 ألف مواطن ومواطنة، لن تُنفّذ في سنة أو حتى سنتين، ولن يكون لها تأثيرمباشر، كما الحلول لن تكون سريعة. كما يكاد يجزم الخبراء من ارتفاع معدل البطالة بينالسعوديين إلى 11.8% بنهاية النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ 11.5% بنهايةالنصف الثاني من العام الماضي.
وقد بلغ متوسط معدل البطالة 11.7 % عن عام 2013 ، فيما كان 11.8 % فيالنصف الأول من العام الماضي.
وأظهرت بيانات صادرة، عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، ارتفاعمعدل البطالة في السعودية بشكل عام، إلى 6% (يشمل السعوديين والأجانب معا)، مقارنةبـ 5.5% بنهاية النصف الثاني من العام الماضي، و5.7% في نفس الفترة من العامالماضي.
وبلغ معدل التشغيل بين السعوديين 88.2%، فيما بلغ 94% بين السعوديين والأجانبمعا في البلاد.
(راجع تقرير نشرته وكالة أنباء البحرين اليوم في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي)بعنوان «أمراء آل سعود واستنزاف أموال الشعب في الرشاوي على هيئة هبات ومنحومساعدات» -https://www.bahrainalyoum.co.uk/?p=10492
إذاً، ما هي الأهداف والمصالح التي سيجنيها آل سعود من هذه الرشاوى التي تقدم علىهيئة منح و عطايا و مساعدات؟
يرى الباحثون أن آل سعود متخصصون في إقامة “ثورة مضادة” ضد ثورات الشعوبالعربية والإسلامية، حيث إنهم واجهوا ثورة مصر في 1952 وثورة الشعب الإيرانيبقيادة الإمام الخميني بعد سقوط الشاة حين دعموا صدام حسين في حرب الثماني سنوات.
ويمكن المرور السريع على بعض هذه التفاصيل:
1- في مصر وتونس. كان الهدف السعودي في كلتا الدولتين متمثلا في تجنب تعريضهيبة الحاكم في البلدين – وخصوصا في مصر – لأي ضرر أو إهانة، خشية استنساخنموذج إهانة الرؤساء، بما يحمله من إسقاطات سياسية في الداخل الخليجي، بالإضافة إلىعداء الإمارات للإخوان المسلمين.
2- في ليبيا، لا يمتلك آل سعود رصيدا إيجابيا مع النظام الليبي السابق، وقد ظلت خلافاتالسعودية مع نظام القذافي في السنوات الأخيرة قائمة، وكان أبرز معالمها الكشف عنمؤامرة النظام الليبي لاغتيال ملك السعودية عبد الله عبد العزيز، وعليه، لم يكن لدولالمجلس أي مصلحة في بقاء نظام القذافي. لذلك، اندفع التحرك الخليجي إزاء ثورة ليبيامنذ اليوم الأول، وعبّر عن “براءة” دول المجلس من القذافي، مقابل الاحتفاظ بعلاقاتها مع النظام الدولي. لقد بدا الخوف من استنساخ “إهانة” الحاكم المصري، مختلفة تماما عنحالة القذافي.
3- بخصوص ثورة اليمن، عملت الدول التابعة لآل سعود على الإمساك بورقة المبادرةبين النظام اليمني والثورة منذ اليوم الأول لها، وذلك بحكم الرابطة التاريخية والسياسيةوالجغرافية، ولكون اليمن – على نحو ما جرى التعارف عليه – تمثّل خاصرة الجزيرةالعربية، ومن شأن أي اضطراب أو قلق فيه أن ينتقل إليها، أو على الأقل، يترك تداعياتهالخطيرة عليها. لذلك، كان إخلاء المسرح السياسي لمجلس الخليج في اليمن من الأمورالتي جرى التوافق عليها – فيما يبدو – مع القوى الكبرى، حيث سمحت الأخيرة لدولالمجلس بتسجيل نقاط إيجابية، من خلال إطالة الفعل الثوري وتبطئته، والاستفادة بأقصىمدى من الحالة اليمنية في تأكيد استقرار شرعيتها في الداخل، وفي الإمساك بشبكةالتفاعلات اليمنية الداخلية على نحو يضمن حفظ التوازنات في أي تغيير مقبل.
4- أما التدخل السعودي في البحرين، على وجه الخصوص، فقد شهد أشكالا احتجاجيةوبؤرا ثورية في قلب مجلس الخليجي. وفيما يتعلق برقعة دول المجلس، فإن القرارالخليجي بدا واضحاً في استحالة السماح بسقوط أي من الأنظمة، واعتبار سقوط أحدهامقدمة لسقوطها جميعا.
إن الأنظمة الخليجية تدرك جيدا مدى الصلة الوثيقة بينها، بوصفها أسرا حاكمة متماثلة منناحية بنيان الحكم والسلطة وطبيعتهما، ومتقاربة من الناحية الفعلية من خلال التشابكاتالأسرية والامتدادات العائلية والقبلية، والترابط بعلاقات المصاهرة، ومن ثم فإنها تقفبالمرصاد دون السماح لأي تغيير ثوري أو ثورة شعبية، ويرتفع ذلك إلي مرتبة القرارالموحد، وهو ما بدا من سلوكها تجاه ثورة البحرين، وإرسالها قوات ما يسمى درعالجزيرة التي ساعدت على قمعها، وإعادة تموضع القبيلة العتوبية مجددا، وكل ذلك حدثتحت غطاء أمريكي وبريطاني، حيث تملكان مصالح اقتصادية ووجودا عسكرياوإستراتيجيا في المنامة.
السعودية دولة لها نفوذ سياسي واقتصادي في المنطقة العربية، ويعود ذلك إلى أنها أحدشركاء وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استطاعت أن تحافظ على الولاءللأمريكان، ودعم قراراتهم في المنطقة، وتمرير سياساتهم على الدول العربية.
إن أمراء آل سعود يعتمدون في سياستهم الخارجية وعلاقاتهم الدولية على مبادئ خاصة،تتمثل في دعم السياسة الأمريكية و(الإسرائيلية) بكل الوسائل لتحقيق أهدافهم ومصالحهافي المنطقة العربية والإسلامية.
ختاماً، نحن كشعب و معارضة في البحرين نخوض ثورة ضد سلطة يقف من خلفها أمراءآل سعود وآل نهيان ودول ما يسمى بمجلس التعاون، فماذا نمتلك من مصالح اقتصاديةواستراتيجية و عقائدية تُجبر الدول العظمى على التعاطي معنا، إن لم نكن حلفاء لها؟ أوعلى الأقل، ألا نكون أعداء لمصالحها، وبحيث تتنازل هذه الدول عن القبائل التي تحكمالخليج، وذلك على الذي تسعى إليه بعض قوى المعارضة البحرانية، حيث تعمل على إيجادعلاقة مع تلك الدول، تحت عنوان “التقية السياسية” التي تفرضها ضرورة المرحلة التىأفرزتها القراءة الواقعية!؟
هذا خيار. أمّا الخيار الآخر، فهو الإيمان بتوجهات القوى السياسية والثورية الأخرى،والتي ترى أن من أهم الأهداف التي تسعى لتحقيقها الثورة هو تحقيق مكاسب سياسية بعيداعن الوصاية الأمريكية والبريطانية، اللتين تُعتبران في أدبيات هذه القوى “قوى استكبار”.
خياران مطروحان في الساحة السياسية والثورية في البحرين، ومن المبكِّر تسجيل نقاط لخيار ضد الآخر، إلا أن الشارع العام في البحرين يبدو أنه ف اتجاه الخيار الثاني، ولأسباب كثيرة.